[esi views ttl="1"]
رئيسية

اليمن: الوساطة الخارجية تتحول إلى أجندة سياسية واستثمار للأزمات

عادت البيانات العربية والغربية لتعبر من جديد عن دعمها لوحدة اليمن وامنه واستقراره. وفي معظم المواقف الصادرة بهذا الخصوص، سواء في السابق اوالتي عادت للتوالي منذ الاسبوعين الماضيين، لم تكن لتتضمن هذه النتيجة فقط..

بل عبارات تدعو للقلق مما يجري، ودعوات لوقف الحرب في صعدة أو التحذير من مغبة استخدام القوة والسلاح.

لكن وسائل الاعلام الرسمية، وكما تفعل وسائل اعلامية معارضة أيضا، تركز على جانب واحد من الصورة. وتعد النتائج التي تخرج بها التحركات اليمنية الخارجية دوما إيجابية، وبأنها عادة ما تتمخض عن دعم موقف اليمن والتأكيد على أمنه واستقراره.

أخر هذه التحركات اللافتة، تلك الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي إلى كل من مصر وسوريا وليبيا، وكذلك زيارة نائب رئيس الوزراء للشؤون الامنية اللواء الدكتور رشاد العليمي للسعودية، وقائد الحرس الجمهوري اللواء الركن احمد علي عبد الله صالح إلى دولة الامارات.

وجاءت هذه الزيارات على اثر أنباء الوساطة العربية بقيادة مصر، وتزامنت مع اعلان صنعاء عن تأجيل الزيارة التي كانت مقررة لوزير خارجية إيران منوشهر متكي قبل نحو اسبوعين.

ورغم نفي المصدر اليمني المسؤول وجود أي مبادرة للوساطة العربية، لكن افتتاحية جريدة الاهرام بعنوان "انقذوا اليمن" أكدت الوساطة، بل وحملت بشدة على صنعاء بسبب عدم استجابتها لمبادرة غير واضحة المعالم. واللافت فيما اوردته الاهرام بخلاف الموقف الرسمي المعلن، وكذا افتتاحية سابقة بعنوان " اليمن لن يكون وحده"، انها كشفت الجزء المتعلق بملابسات وطريقة التعامل مع الوساطات الخارجية.

فالوساطة المصرية التي تحدثت عنها جريدة "الاهرام" يمكن اعتبارها ضمن ثلاث محاولات خارجية بارزة للتدخل في حل المشكلات اليمنية، والتركيز على صعدة تحديدا، بعد الوساطة القطرية والرغبة الإيرانية المعلنة مؤخرا. وهناك مشتركات متعددة بين هذه المحاولات الثلاث، لكن الاهم هو طريقة الانكار والنفي الرسمي اليمني لها، وبالتالي تعريض قنواتها المختلفة للغموض والشكوك والقراءات المتعددة.

لكن مهما كانت الجهود الخارجية، تبقى المشكلة في الداخل، فالدول ليست جمعيات خيرية، كما يردد القيادي المعارض محمد الصبري، وكل التقارير والمبادرات تخلص إلى هذه النتيجة، واخرها تقرير مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية والذي خلص إلى التأكيد بأن الحل الوحيد والممكن هو ان تقدم الحكومة اليمنية مبادرة اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي شامل من شأنها ان تفضي إلى دولة حديثة وديمقراطية تقضي على كل عوامل الصراع ووقف التدخل الخارجي، وانها ان لم تقم بذلك فسوف تواجه اوخم العواقب، حسب التقرير.

****** ( القاهرة: نجاح أي مبادرة مرهون بتجاوب أطرافها)
المبادرة العربية الاخيرة بقيادة مصر لازالت غائمة وتثير أكثر من تفسير. فرغم الموقف الرسمي المعلن والذي عبرت عنه القاهرة في اكثر من مناسبة، واعاد الامين العام لجامعة الدول العربية التأكيد عليه بطريقة اخرى في حواره مع جريدة الشرق الاوسط.. بالقول ان مصر لاتتدخل في الشؤون الداخلية لليمن، مثمنا زيارته الاخيرة لصنعاء، وتلمسه الانفتاح الكامل من جانب الرئيس علي عبد الله صالح للحوار مع كافة القوى السياسية، حسب قوله.

الا ان اللغة التي عبرت عنها افتتاحية الصحيفة المصرية الاولى تحت عنوان " انقذوا اليمن " يمكن قراءاتها من أكثر من زاوية.

فالصحيفة تحدثت بعبارات طافحة بالمرارة وشككت بقدرة القوات الحكومية في حسم معركة صعدة، واشارت إلى التصريحات التي اطلقها المسؤولون بشأن حسم المعركة خلال ايام. بينما قالت ان اسابيع مرت ولم نر هذا الحسم. ونظرت إلى الموقع الاستراتيجي الذي تحظى به اليمن وصار بمثابة فزاعة لتهديد الاخرين احيانا، معتبرة ان ما يجري ليس شأنا داخليا. وطالبت بالتدخل الدولي ان لزم الامر، وخصوصا في حال لم تتعاون الاطراف اليمنية مع "الوساطة العربية كما اعتدنا في الماضي."

والمفارقة التي لا تحدث الا في اليمن، وربما تكون واحدة من ضمن مفارقات اخرى ازعجت القاهرة، هي تصريحات القربي وقوله ان اليمن يقبل حوارا مشروطا مع الحوثيين ويرفض الحوار مع أصحاب الشعارات الانفصالية.

وبالتالي، هناك اعتقاد بأن صنعاء لم تخفف من القلق المصري الذي تم التعبير عنه في اكثر من مناسبة سواء جاء تحت تأثير الخوف على ما يجري في اليمن وانعكاساته على الامن القومي العربي، أو بسبب التدخلات الإيرانية في المنطقة ومنها اليمن، بل فاقمته وتعاملت معه ببرودة اعصاب وارادت التعامل مع هذا القلق بطريقتها الخاصة.

وقبل ان تأتي الدبلوماسية المصرية إلى صنعاء ممثلة بزيارة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وقبلها زيارة وزير الخارجية احمد ابو الغيط ورئيس جهاز المخابرات عمر سليمان، كانت التصريحات الصادرة من القاهرة تؤكد بأن اليمن لا تريد تعريب الازمة أو اقلمتها. ويقول عمرو موسى في هذا الصدد ان محادثاته في السابق مع المسؤولين اليمنيين خرجت بتأكيدهم على انه لاحاجة لتدخل الجامعة العربية في الازمة اليمنية.

لكنه، حذر من ترك المشكلات العربية تتفاقم بالقول ان " هذه المشكلات اسبابها داخلية وخارجية ونحن لا نضعها على شماعة الاسباب والاصابع الخارجية فقط وانما ايضا المجتمعات العربية تعاني خللا وتوترا كبيرا."

وعندما سنحت له الفرصة للقيام بجهود الوساطة ومحاولة حل المشكلة اليمنية، الا ان تلك الجهود اصطدمت بعدم تجاوب اطراف الازمة أو ربما الطرف الرئيس المتحكم في اللعبة.

وكان قد سبق للمصادر الدبلوماسية المصرية التأكيد على ان نجاح أي مبادرة مصرية لحل الازمات العربية مرهون بتجاوب اطرافها. والقول انه لابد من استعداد وتجاوب الاطراف المعنية، وبغير ذلك لا تستطيع القاهرة ان تفعل شيئا.

****** الاجندة الإيرانية تسبق جهود الوساطة )

أما المحاولة الإيرانية المعلنة مؤخرا على لسان أكثر من مسؤول. فالمثير للاستغراب أنها تأتي وسط اتهامات يمنية متصاعدة بشأن تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للبلاد. ويقال ان من الملامح البارزة لجولة الحرب السادسة في صعدة والمستمرة منذ منتصف اغسطس الماضي، هو دخول طهران على خط الازمة بين الحكومة والحوثيين.

لكن كلما زادت الاتهامات ودلائل التورط، يواجه المسؤولين في طهران ذلك، بالاعلان المتكرر عن رغبة بلادهم في التوسط بين الحكومة والحوثيين. والمشكلة قد لا تكون لدى الإيرانيين أنفسهم، بل وجه الغرابة الاكثر، هو ما كشفته المصادر الإيرانية عقب اعلان صنعاء عن تأجيل زيارة متكي لليمن قبل نحو اسبوعين، من ان الاخيرة هي من طلبت ارسال مبعوث خاص للتباحث حول الاوضاع في صعدة.

وفي حين ارجعت مصادر رسمية في صنعاء تأجيل الزيارة إلى ما اسمته انشغالات الرئيس صالح وارتباطاته الاخرى، اشارت إلى أسبوع واحد للتأجيل فقط، فيما مضى أكثر من اسبوعين ولم تتقرر زيارة متكي بعد. وفي اليوم الذي اعلنت فيه صنعاء تأجيل الزيارة، أوفدت نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والامن اللواء الدكتور رشاد العليمي إلى السعودية.

وفيما ارجعت مصادر تأجيل زيارة متكي، إلى ما أسمته انزعاج صنعاء من كشف المسؤولين الإيرانيين عن مشروع الوساطة لحل النزاع ما بين الحكومة والحوثيين، فقد أعطت زيارة العليمي للسعودية تفسيرات متباينة، لكنها لاتخرج عن اطار سياسة التجاذبات التي عرفتها المنطقة مؤخرا وخصوصا مع الاطراف القلقة من توسع نفوذ إيران.

وكان متكي في شرحه للصحفيين عن الوضع القائم في اليمن وإمكانية توسط إيران لحل الأزمة، قد قال "ان المسؤولين اليمنيين وافقوا على فكرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وستجري زيارة لهذا البلد في التاريخ الذي يتم الاتفاق عليه."

كما أكد رئيس لجنة الأمن القومي البرلمانية علاء الدين بروجردي على موافقة اليمن لتسوية النزاع مع الحوثيين وأن علي اكبر ولايتي مستشار المرشد علي خامنئي زار اليمن في هذا الشأن، وان لجنة الصداقة الإيرانية اليمنية في البرلمان تنتظر أن تعقد جلسة مشتركة مابين الإيرانيين واليمنيين بطهران.

****** ( لماذا فشلت الوساطة القطرية؟)

في 16 يونيو من عام2007، تم الاعلان عن مبادرة لوقف الحرب في محافظة صعدة بين القوات الحكومية والحوثيين. وقللت المصادر الرسمية حينها من أهمية الحديث الاعلامي عن وجود وساطة قطرية في الموضوع، ووصفت الخطوة التي قام بها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ب"مساعي قطر الحميدة".

ورغم ما تضمنه اتفاق وقف الحرب من بنود وشروط بدت باعثة للتفاؤل كثيرا بشأن التطبيق على ارض الواقع، الا ان الاعلان عن تلك الشروط في وسائل الاعلام الرسمية، أوحى لدى مواطنين بانطباعات غير مفهومة، كالبند السابع مثلا، وهو ما نصه " وصول عبد الملك الحوثي ويحيى الحوثي وعبد الكريم الحوثي وعبد الله عيضة الرزامي إلى قطر ودون ممارسة أي نشاط سياسي أو اعلامي معادي لليمن وعدم مغادرة قطر الا بعد موافقة الحكومة اليمنية."

وبالتالي تم النظر إلى ذلك، من زاوية ان الحرب انتهت فعليا بمجرد مغادرة هؤلاء إلى قطر، أو هكذا جرى الاعتقاد، خصوصا وان الوعي الشعبي العربي يتأسس على المرجعيات القيادية للافراد دون النظر إلى المنطلقات الفكرية للحركات والجماعات.

لكن بالنسبة للمراقبين والمتابعين، فقد ركزوا اهتمامهم على عدة ملابسات احاطت بالاتفاق، وبحثوا في التساؤلات من مثل كيفية "التزام الحوثي ومن معه بالنظام الجمهوري والدستور والقوانين النافذة في البلاد." أو تسليمهم " الأسلحة المتوسطة مع ذخائرها للدولة." وكذلك، " احترام حرية الرأي بما في ذلك الحق في انشاء حزب سياسي وفقا للدستور والقوانين النافذة في البلاد." في الوقت الذي يعلم الكثير بأن من ضمن مطالب الحوثي حقوقا مذهبية، ويحظر الدستور قيام احزاب سياسية على أساس التمثيل الديني اوالمذهبي والطائفي.

وفيما كانت التساؤلات تدور حول ثمن قبول هذا الاتفاق؟، فقد استدعى مراقبون التحركات التي بذلتها الدبلوماسية القطرية في وقت سابق للاتفاق وخاصة الزيارة التي قام بها أمير قطر إلى صنعاء وجرى فيها التوقيع على عدة اتفاقيات اقتصادية، دون التطرق إلى الشؤون السياسية.
وفي مطلع العام 2008م، كان على الحكومة اليمنية ان تواجه عدة انتقادات، ليس بسبب ما اعتبر الاعتراف الرسمي بالحوثيين وفتح المجال للتدخلات الخارجية. بل والحديث عن بنود سرية لاتفاق الدوحة الجديد الذي جرى التوقيع عليه من جانب المستشار السياسي للرئيس الدكتور عبد الكريم الارياني واللواء علي محسن الاحمر كممثلين للجانب الحكومي، ويحيى الحوثي وصالح هبرة كممثلين عن جانب الحوثي.

وفيما وصف نواب الاتفاق ب"المهين للحكومة والجيش والشعب"، طالبت احزاب المعارضة في اللقاء المشترك بالإعلان رسميا عن بنود الاتفاق الجديد. وحذرت من بقاء الاتفاقات طي الكتمان والسرية بسبب مايفتحه من ابواب للشكوك. كما طالبت في الرسالة الموجهة لرئيس الجمهورية ب"حقن دماء اليمنيين والحفاظ على هيبة الدولة واغلاق باب التدخل الخارجي في الشؤون الوطنية."

ورغم اشادة البعض بالوساطة القطرية، لكن مراقبون للعلاقات الثنائية بين الدوحة والرياض، اعتبروا الخطوة القطرية بأنها لم تكن تهدف لحل المشكلة بقدر ما كانت موجهة للحفاظ على جماعة الحوثي والحيلولة دون القضاء عليها.

واتهم عضو مجلس النواب الشيخ محمد بن ناجي الشايف الإيرانيين صراحة بالوقوف وراء الوساطة القطرية. وقال أن الوساطة جاءت في الوقت الذي أوشكت القوات الحكومية على حسم المواجهة لمصلحتها. معتبرا ان القطريين حاولوا تكريس صورة قطر كدولة محورية مهمة في المنطقة، في محاولة لمزاحمة الموقع السعودي.

وقبل قمة الدوحة العربية في مارس الماضي، اهتدى الرئيس علي عبد الله صالح إلى هذه العبارة بقوله " قبولنا بالوساطة القطرية كان خطئاً، لأن الوساطة جعلت من الحوثي يعتقد بأنه ند للدولة."

ونظر اخرون إلى الخطوة القطرية من زاوية مختلفة بالقول انه كان من المهم لقطر وغيرها ممن يتوسطون لإنهاء الأزمات ضرورة التنسيق مع الأشقاء خاصة الكبار منهم، كي تكون الوساطة أقرب للجدية والنتائج الايجابية المتوخاة. وربما يكون ذلك من الاسباب الرئيسية لفشل الوساطة القطرية.

زر الذهاب إلى الأعلى